القائمة الرئيسية

الصفحات

تزي نتاست اقليم تارودانت
الصورة من الارشيف 
منعرجات تيزي نتاست، على سفوح أدرار ن درن المقابلة لشموس سوس والصحراء، هناك على تلك القمم الوعرة، حيث الاخاديد التضاريسية الصخرية الحادة، التي نحتتها السيول الجارية، الجارفة من أعلى درن في اتجاه سافلته.... الطريق تتموج، على شكل خطوط حلزونية، تقطع، تدور، ثم تصعد، ويبدو أن الفرنسيين الذين احتلوا الأطلس، والذين شقوا هذا المسلك الطرقي الوعر، بين مراكش وتارودانت، عواصم المغرب التاريخية، كانوا قد اتبعوا المسالك التي رسمتها حوافر الدواب، الحمير والبغال، وحدها التي كانت قادرة على اقتحام مصاعد أطلس درن ومدرجاته الصخرية الشاهقة، ثم شقوا تلك المسالك وحولوها إلى طريق الشاحنات والسيارات... 

الصورة من حساب مقدم برنامج مبـعوت خاص قناة الأمازيغية ، عبد الله بوشطارت 

في إحدى تلك المنعرجات، يتواجد مأوى سياحي ومقهى، الذي يملكه داحماد منذ سنوات طويلة... بدأه بمقهى بسيط جدا سنة 1992، يقدم كؤوس الشاي والقهوة السوداء بعطريات المنطقة، وواجبات غذائية لمن يطلبها، وبعد مرور الايام، زاد بعض الغرف الصغيرة، وحول الفضاء من مقهى إلى مأوى، بعد أن لاحظ الطلب على المبيت، من الزوار الزائرين وعابري السبيل، هواة صعود الجبال... تمر الأيام والسنوات، وأصبح مأوى، داحماد الذي سماه، مأوى تافوكت/ الشمس، يكبر ويزداد اتساعا باضافة، غرف ومرافق أخرى جديدة... بحكم جمالية الموقع، وحسن ضيافة سي حماد لزواره، اكتسب هذا الأخير تجربة كبيرة في الضيافة والاستقبال والتعامل والثقافة والمعارف، بنباهة أبناء الجبال وذكائهم، راكم داحماد تجربة مهمة، ونسج شبكة علاقات وطيدة ومتداخلة، مع أصدقاء كثر من مختلف الجنسيات، ومن بلدان مختلفة... كسب احترام زواره ومرتادي هذا الطريق التاريخي العريق. فكل من مر بمنعرجات تيزي نتاست، صاعدا إليها، أو نازلا منها، تبقى له صورة سي حماد الطيبة، وحسن تعامله وكرمه الفياض، وابتسامته الأنيقة التي تعبر عن معدن الإنسان الامازيغي النبيل والمضياف، المحب للسلم والسعادة.. سي حماد، له صداقات كثيرة مع مشاهير العالم، في الثقافة والسياسة والرياضة والفن وغيرها، الذين يزورون الأطلس الكبير... بحكم تواجده اليومي في المأوى، وحسن استقباله للضيوف والزوار... فهو انسان قنوع ولطيف ومرح، لا يهمه طمع الدنيا الزائل، فالمكوث والعيش في الجبال، ينظف القلوب من الماديات والجشع نحو كسب الدنيا... العيش في الجبل، يعلم الصبر والصمود، والتعامل مع الناس يعلم الانفتاح والتعارف على ثقافات الأخر، ويجعلك في احتكاك مع الغير.. جاء الزلزال وضرب أطلس درن، ومن سوء حظ سي حماد أن خط الزلزال مر على موقع تواجد المأوى، ودمره تدميرا كاملا ومروعا، وحطم جدرانه وجعلها حطاما وأطلالا، ولسوء الحظ أيضا، أودى الزلزال بحياة ثلاثة أشخاص، رحمهم الله، كانوا ضيوفا لدى سي حماد داخل مأواه السياحي، وهم سائح انكليزي كان من هواة السفر بالدراجة الريحية، وأمرأة وابنتها، بعد أن تم إنقاذ زوجها من تحت الأنقاض... أما سي حماد، فقد نجا من الموت، بارادة ربانية، وبأعجوبة، فقبل لحظات قليلة من وقوع الزلزال، وهو جالس في داخل المأوى، لاحظ أن قطته، تدخل إلى وسط المأوى وتخرج بسرعة، وتصدر مواء بصوت مرتفع جدا، تجيء وتمشي داخل المأوي بشكل هستيري، أثارت استغراب سي حماد، وقال مع نفسه ربما أنها تشعر بالجوع أو العطش... فخرج إلى قارعة الطريق يحمل معه بعض مأكولات القطة والماء... في تلك الأثناء التي يتواجد فيها سي حماد خارج المأوى، اهتزت، وزلزلت الأرض زلزالا...ووقع ما وقع... ونجا سي حماد بفعل قطته الصغيرة... منذ ذلك الوقت، يوم الزلزال، وسي حماد، يبيت في خيمة على الطريق واستمر في تقديم الوجبات الخفيفة وكؤوس الشاي والقهوة للمارة والمسافرين، بشكل مجاني بدون مقابل... قدم لنا الشاي والخبز والزيت والعسل، وحين قمت بأداء مقابل ذلك، فرفض رفضا قاطعا، خلت أنه فعل ذلك معنا فقط، ولكن بعد إلحاحي عليه، بضرورة قبض مقابل ما قدمه لنا، فقال: منذ الزلزال، إنني قررت أن لا اقبض سنتيما واحدا من المارة والمسافرين... استفسرته، أن الأمر صعب، وكيف سيحصل على المواد كالشاي والسكر والخبز والزيت،... قال أن بعض ما كان يخزنه لفصل الشتاء أخرجه وبدأ يستعمله، والبعض الآخر عبارة عن مساعدات من أصدقائه وزواره....مؤكدا، أنه، أمام هول هذه الكارثة، فإنه لم يطلب قط المساعدات الغذائية من أحد، وإنما بعض أصدقائه الذين يعرفهم خارج المغرب وداخله، يقومون بإرسالها من وحي أنفسهم... ولم يطلب المساعدات لا من الدولة ولا من المحسنين ولا من الجمعيات... وأثناء، دردشتنا، لاحظت أن بعض السائقين، يوقفون سياراتهم ويطلبون كأس الشاي أو القهوة المعطرة بعشوب الجبل، يرتشفونها، يرتاحون، ثم يسلمون على دا حماد من بعيد، سي حماد اك اعاون ربي... فأدركت فعلا أنه في ضيافة سي حماد لا وجود للغة المال والنقود، وإنما فقط البركة.... يقول، سي حماد في أثناء هذه الدردشة: "إننا بعد الزلزال، وبعد أن نجانا الله من تلك الكارثة، وبعد أن لاحظنا كيف مات الناس من أمام أعيننا، تحت الانفضاض، علينا الآن، ترسيخ وتركيز القيم، قيم الأخوة والتضامن والتعاضد، يؤكد، الآن على العالم أن يشهد على قيم الامازيغ، تيوزي وتامونت وتاگمات، لأن كل شيء زائل، والقيم الإنسانية هي وحدها ستبقى... ." تانميرت سي حماد... عبدالله بوشطارت. تيزي ن تاست.

تعليقات

التنقل السريع